-A +A
محمد طالب الأحمدي (هاتفيا، واشنطن)

فضح منصور عربابسيار قيادات في الجيش الإيراني والحرس الثوري في وقوفها وراء التخطيط والدعم لتنفيذ عمليتي تفجير السفارة السعودية في واشنطن، واغتيال سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة عادل بن أحمد الجبير، من بينهم ضابط برتبة لواء (جنرال) في الجيش، وقيادي آخر في فيلق القدس، حيث دفعت لمنفذ العملية 1.5 مليون دولار.



وكشفت الاعترافات أن أطراف المؤامرة المتوزعين على ثلاث دول بين إيران والولايات المتحدة والمكسيك استهلكوا 152 يوما للتخطيط والدعم لتنفيذ العمليتين، بداية من 1 مايو 2011م إلى 29 سبتمبر 2011م. كما بينت أن عربابسيار تم إلقاء القبض عليه في مطار كنيدي في نيويورك قبل 7 أيام من تنفيذ عملية اغتيال السفير. «عكاظ» حصلت على لائحة الادعاء النهائية، المعتمدة من وزير العدل الأمريكي إيريك هولدر، وتنشر نصها بالكامل توضيحا لما يخطط له المتآمرون من عمليات خطيرة تستهدف المملكة، بما يصنف عالميا ضمن «الإرهاب الدولي».. وهذا نص لائحة الادعاء:



اعترف منصور عربابسيار الأربعاء أمام المحكمة الفيدرالية في نيويورك بالذنب في مخطط لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة. وعربابسيار متجنس أمريكي من أصل إيراني ويحمل جوازي سفر إيراني وأمريكي. وقد اعتقل في 29 سبتمبر 2011 في مطار كنيدي في نيويورك. وأعلن الاعتراف بالذنب وزير العدل إيرك هولدر، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت مولر، ومدير إدارة مكافحة المخدرات ميشيل ليونهارت، ومساعد النائب العام للأمن القومي ليسا موناكو، والمدعي العام لمنطقة جنوب نيويورك بريت باراتا.



الحكم في 23 يناير



اعترف عربابسيار بالذنب على معلومات محدثة وجهت له بموجبها ثلاثة اتهامات. التهمة الأولى هي السفر بغرض إجراء تعامل تجاري في الخارج باستخدام مرافق تجارية داخلية وأجنبية للقيام بعملية استئجار قاتل.



التهمة الثانية هي التآمر للقيام بذلك.



التهمة الثالثة هي تآمره للقيام بعمل عدائي ضد الولايات المتحدة، وهو تحديدا عمل إرهابي عبر حدود البلاد. فيواجه عربابسيار احتمال الحكم عليه بالسجن 25 عاما (10 أعوام لكل من الاتهام الأول والثاني، و5 أعوام للاتهام الثالث)، وسينطق القاضي جون كينان بالحكم على عربابسيار في 23 يناير المقبل.



شركاء عربابسيار



وفي إطار اعتراف عربابسيار بالذنب، أقر بأنه منذ ربيع 2011 وحتى خريف 2011 قام بالتآمر مع مسؤولين في القوات المسلحة الإيرانية، ومقرهم إيران، للعمل على اغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة أثناء وجوده بها. كما اعترف عربابسيار بأنه بناء على توجيهات من شركائه في التآمر فقد سافر إلى المكسيك عدة مرات خلال عام 2011 من أجل الإعداد لاغتيال السفير. واعترف عربابسيار بأنه، وبعد موافقة المتآمرين معه، رتب لاستئجار مصدر موضع ثقة في إدارة مكافحة المخدرات (مصدر سري)، الذي زعم أنه يمثل عصابة لتجارة المخدرات، وشركاء مجرمين له من أجل اغتيال السفير. واعترف عربابسيار أيضا بأنه وافق على دفع مبلغ 105 ملايين دولار للمصدر السري وأنه تناقش معه حول خطة لاغتيال السفير في مطعم بواشنطن العاصمة، وهي خطة وافق عليها المتآمرون مع عربابسيار. رتب عربابسيار بعد ذلك لدفع مقدم قدره 100 ألف دولار على دفعتين ترسل برقيا إلى المصدر السري.



دور فيلق القدس في المؤامرة



وكما لوحظ في الشكوى وصحيفة الاتهام التي رفعها في المحكمة الفدرالية بمنهاتن فإن فيلق القدس، والذي يعتبر أحد أفرع الحرس الثوري الإيراني، يقوم بأنشطة سرية مكثفة في الخارج بما في ذلك الهجمات الإرهابية وعمليات الاغتيال والاختطاف، ويعتقد بأنه قد أشرف على شن هجمات على قوات التحالف في العراق.



وفي أكتوبر سنة 2007 أدرجت وزارة الخزانة فيلق القدس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية بحجة أنه قدم دعما ماديا لطالبان ومنظمات إرهابية أخرى.



بداية التخطيط للعملية



ووفقا لصحيفة الاتهام المرفوعة أمام محكمة مانهاتن الفيدرالية، وحسب المعلومات التي أقر بها عربابسيار:



خلال الفترة بين مايو ويوليو سنة 2011، التقى عربابسيار في عدة مناسبات بالمصدر السري في المكسيك، وخلال تلك الاجتماعات سأل عربابسيار المصدر السري عن ما إذا كان على علم بالمتفجرات وقال إنه يرغب ـ ضمن أمور أخرى ـ في شن هجوم على سفارة المملكة وقتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة.



وفي يوم 14 يوليو 2011 أبلغ المصدر السري عربابسيار خلال لقائهما في المكسيك أنه يحتاج لما لا يقل عن 4 رجال لتنفيذ عملية اغتيال السفير، وذلك مقابل 1.5 مليون دولار.



وافق عربابسيار وقال بأن قتل السفير يجب أن يتم أولا قبل شن هجمات أخرى كان قد ناقشها هو مع المصدر السري. كما قال عربابسيار أن لديه وشركائه مبلغ 100 ألف دولار في إيران يمكن سدادها للمصدر السري دفعة أولى مقدمة نظير اغتيال السفير.



دور الجنرال الإيراني في الجريمة



وخلال الاجتماع نفسه، حكى عربابسيار للمصدر السري عن ابن عمه المقيم في إيران، والذي قال إنه طلب من عربابسيار العثور على شخص لتنفيذ عملية اغتيال السفير. وأوضح عربابسيار أن ابن عمه يعمل ضابطا برتبة عالية (جنرال) في الجيش الإيراني، وأنه يركز على قضايا خارج إيران، وأنه قد اتخذ خطوات غير محددة تتعلق بتفجيرات في العراق.



في يوم 17 يوليو 2011 وخلال اجتماعهما في المكسيك، ذكر المصدر السري لعربابسيار أن أحد العاملين معه قد توجه بالفعل إلى واشنطن العاصمة، لرصد تحركات السفير. فأثار المصدر السري أيضا احتمال مقتل مارة أبرياء، فأوضح عربابسيار ضرورة المضي قدما في مخطط الاغتيال برغم احتمال حدوث قتل جماعي، فقال المصدر السري «إنهم يودون الإجهاز على السفير، ولو قتل خلال ذلك المئات فليذهبوا إلى الجحيم».



فناقش المصدر السري وعربابسيار تفجير مطعم في الولايات المتحدة يرتاده السفير، وعندما قال المصدر السري إن آخرين قد يقتلون في الهجوم، بما في ذلك أعضاء في مجلس الشيوخ ممن يتناولون العشاء في ذلك المطعم، قلل عربابسيار من شأن تلك المخاوف، قائلا «ليست ذات شأن».



وفي يومي 1و9 أغسطس 2011 أجرى عربابسيار حوالتين خارجيتين بقيمة إجمالية بلغت 100 ألف دولار إلى حسابات سرية تخص مكتب التحقيقات الفيدرالي كدفعة مقدمة لصالح المصدر السري مقابل عملية الاغتيال، وفي وقت لاحق قال عربابسيار للمصدر السري إنه سيوفر بقية مبلغ الـ1.5 مليون دولار بعد تنفيذ عملية الاغتيال.



وفي يوم 20 سبتمبر 2011 أبلغ المصدر السري عربابسيار أن العملية جاهزة وطلب منه إما أن يسدد نصف مبلغ المليون ونصف المليون دولار المتفق عليه، أو أن يتوجه عربابسيار نفسه إلى المكسيك ليتم التحفظ عليه كضمان لتسديد كامل المبلغ. فوافق عربابسيار على السفر إلى المكسيك ليتخذ بمثابة ضمان لتسديد كامل المبلغ عليه لتنفيذ عملية الاغتيال.



اعتراف صريح بالجريمة



وفي يوم 28 سبتمبر 2011 غادر عربابسيار جوا إلى المكسيك، وقد منع من دخولها وأعيد على متن طائرة عائدة إلى الوجهة التي أتى منها.



وفي يوم 29 سبتمبر 2011 اعتقال عربابسيار من قبل عملاء فيدراليين خلال توقفه في مطار جي إف كي الدولي بنيويورك. وبعد ساعات من اعتقاله، أحيط عربابسيار علما بحقوقه التي يكفلها القانون ووافق على التنازل عن تلك الحقوق والتحدث إلى الجهات الأمنية.



وخلال سلسلة من الجلسات التي جرى خلالها تبصيره بحقوقه القانونية اعترف عربابسيار بمشاركته في مخطط الاغتيال.



كذلك أقر عربابسيار بأنه قد تم تجنيده وتمويله وتوجيهه من قبل رجال فهم أنهم مسؤولون على مستوى رفيع في فيلق القدس الإيراني. وقال إن هؤلاء المسؤولين الإيرانيين كانوا على علم ووافقوا على إشراك المصدر السري لإدارة مكافحة المخدرات في المؤامرة ودفع أموال له، كما وافقوا على الوسائل التي سيتم بها اغتيال السفير في الولايات المتحدة وعلى احتمال سقوط ضحايا من المارة.



كما قال عربابسيار للمحققين إن ابن عمه، العضو البارز في فيلق القدس منذ فترة طويلة حسب علمه، قد اتصل به في بداية ربيع 2011 مستفسرا عن إمكانية تجنيد مخدرات لخطف السفير. فقال عربابسيار للمحققين إنه التقى عقب ذلك بالمصدر السري لإدارة مكافحة المخدرات في المكسيك وناقش معه مسألة اغتيال السفير. وقال إنه التقى بعد ذلك ولعدة مرات بالمدعو علي غلام شاكوري في إيران، وهو متآمر آخر في تنفيذ المخطط ومقيم في إيران وعضو في فيلق القدس، كما التقى أيضا بمسؤول آخر رفيع في فيلق القدس وشرح لهم أن الخطة هي تفجير مطعم في الولايات المتحدة يرتاده السفير، وستسفر عن قتل آخرين، فوافق هؤلاء المسؤولون على الخطة.



الاتصال بشاكوري



وفي أكتوبر 2011، وبعد اعتقاله، أجرى عربابسيار اتصالات هاتفية بالمدعو علي شاكوري في إيران بناء على توجيه المحققين، وقد تم رصدها، فأكد شاكوري خلال هذه المكالمات بأن على عربابسيار المضي قدما في مخطط اغتيال السفير، ويتعين عليه إنجاز المهمة في أسرع وقت ممكن، وحدد يوم 5 أكتوبر 2011 للتنفيذ.



وقال شاكوري لعربابسيار «فقط نفذ بسرعة، لقد تأخر الوقت»، وقال له أيضا إن عليه التشاور مع رؤسائه حول ما إذا كانوا على استعداد لدفع أموال إضافية للمصدر السري لإدارة مكافحة المخدرات.



إن شاكوري الذي اتهم أيضا في المؤامرة ما يزال طليقا، والتهم الموجهة إليه مجرد اتهامات ويفترض أنه بريء ما لم تثبت إدانته.



تم إجراء هذا التحقيق من قبل شعبة مكتب التحقيقات الفيدرالي في هيوستن وشعبة إدارة مكافحة المخدرات بهيوستن، والقوة المشتركة لمكافحة الإرهاب التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك. وتم رفع الدعاوى القضائية من قبل وحدة مكافحة الإرهاب والاتجار العالمي في المخدرات التابعة لمكتب وزير العدل الأمريكي في ضاحية جنوب نيويورك، وتحديدا مساعدي وزير العدل المحامين جلين كوب وإدوارد كيم وستيفن رتشن. ووفر قسم مكافحة الإرهاب بوزارة العدل وشعبة العلاقات الدولية بالقسم الجنائي في وزارة العدل مساعدة كبيرة في هذا التحقيق، كما لا بد من الإقرار بالمساعدة التي قدمتها حكومة المكسيك في هذا الشأن.







القضاء والادعاء العام ومكافحة المخدرات تؤكد: طهران حاكت اغتيال السفير وتصدير القتل للأبرياء







الاستخبارات تتعقب أطراف المؤامرة في إيران وخارجها







قال وزير العدل الأمريكي أيريك هولدر إن منصور عربابسيار قد اعترف بدوره في المؤامرة الخطيرة التي أقرها عناصر في الجيش الإيراني من أجل قتل سفير دولة أجنبية في الولايات المتحدة، وأن الدعوى المرفوعة والكشف عن مؤامرته فيها ما يذكر بالجهود الاستثنائية التي تقوم بها الجهات المعنية بفرض القانون وأجهزة الاستخبارات في حماية الولايات المتحدة من الهجمات الإرهابية ومحاسبة من يخططون لهذه الأعمال.



علاقة تجار المخدرات بالإرهاب



وأضافت مدير إدارة مكافحة المخدرات ليونهارت: الصلة الخطيرة بين تجارة المخدرات والإرهاب غير قابلة للشكوك، وتعد هذه القضية مثال آخر للدور الفريد لإدارة مكافحة المخدرات في تحديد الشبكات التي قد تكون مميتة وترغب في إيذاء الأمريكيين الأبرياء وحلفائنا حول العالم، وإن استخدام إدارة مكافحة المخدرات لخبراتها الواسعة المتطورة في التحقيقات واختراقها لجماعات تجارة المخدرات التي تمارس العنف ومنظمات إرهابية مكنها من تحديد هذه الأخطار بنجاح، والعمل بشكل لصيق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنع حدوث نتائج قد تكون قاتلة.



إقرار بالذنب



وزادت مساعدة النائب العام للأمن القومي ليسا موناكو: بفضل جهود التعاون المشترك بين كثير من المهنيين في أجهزة إنفاذ القانون والأجهزة الاستخباراتية، تم إحباط مؤامرة الاغتيال العالمية المحاكة في إيران قبل أن يتعرض أي شخص لأذى، وأقر المتآمر الرئيس بأنه مذنب، فهذه القضية تؤكد مجددا على بيئة التهديدات المتغيرة التي نواجهها وعلى الحاجة إلى اليقظة المستمرة في الداخل والخارج.



خطة الاغتيال



ولم يستبعد المدعي العام بهرارا وجود عناصر أخرى أمثال عربابسيار، فقال: مثلما اتهم في الأساس، وكما اعترف الآن، فإن عربابسيار كان بمثابة يد القتل الطولى للمسؤولين المتآمرين معه في الجيش الإيراني الذين خططوا لقتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، وكان لديهم استعدادا لقتل آخرين من المتواجدين في مكان الحدث حسبما تقتضي الضرورة. فقد سافر عربابسيار من وإلى الولايات المتحدة، وإلى المكسيك وإيران، وأجرى اتصالات هاتفية مع حلفائه ونظرائه الإيرانيين كوسيط لتنفيذ المؤامرة الجريئة. إذ ينبغي ألا تثير جرأة المؤامرة الشكوك، بل يتعين توخي الحذر من آخرين من أمثال عربابسيار المصنفين كعملاء يمارسون العنف والتآمر لحساب مسؤولين أجانب، وهذا المكتب يواصل في تعقب المتآمرين الآخرين في هذا المخطط وغيرهم في إيران أو أي مكان آخر يحاول تصدير القتل.. فالشكر للعمل العظيم الذي قام به مكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة مكافحة المخدرات والمدعين العامين في هذا المكتب، ويتعين على السيد عربابسيار أن يتحمل الآن تبعات سلوكه.


الزياني: الحرس الثوري يواجه مشكلة قانونية وسياسية


وصف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني اعتراف عربابسيار بضلوعه في التخطيط لاغتيال سفير خادم الحرمين الشريفين لدى واشنطن بأنه «تطور خطير كشف القناع عن تلك المؤامرة الإجرامية الفاشلة والمشاركين فيها». وقال إن ما كشفه أمام المحكمة عن ضلوع الحرس الثوري الإيراني في هذه المؤامرة يضع المتورطين فيها أمام مشكلة قانونية وسياسية تجاه المجتمع الدولي.

وأضاف الزياني أن الاعتراف يمثل خطوة مهمة لكشف جميع ملابسات المؤامرة، مشيرا إلى أن القوانين والأعراف الدبلوماسية تجرم الاعتداء على الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية بوصفه عملا إرهابيا يتنافى مع القوانين والقيم الأخلاقية والإنسانية.

وأكد أن بناء العلاقات السوية بين دول الخليج العربي أساسه مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل، والحرص على عدم استهداف الجار للجار بما يكون فيه ضرر عليه وعلى المنطقة.